سورة المائدة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} [المائدة: 5/ 87- 88].
نزلت الآيتان في حق جماعة أرادوا التشدّد في الدين والقيام بأعمال كثيرة بقصد مرضاة اللّه ودخول جناته، أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة، منهم عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «لكني أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنّتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنّتي فليس مني».
والمعنى: يا أيها المؤمنون لا تحرّموا على أنفسكم ولا تمنعوها من الطيبات وهي المستلذات المستطابات للنفس، لما فيها من المنافع، بأن تتركوا التمتع بها تقرّبا إلى اللّه تعالى، ولا تقولوا: حرمنا على أنفسنا كذا وكذا، مما هو حلال لكم ومباح. لا تفعلوا هذا تنسّكا وزهدا وتقرّبا إلى اللّه، فإن اللّه لا يرضى عن ذلك، بل ينهى عنه، كما قال تعالى في آية أخرى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 2/ 172]. والرّزق: ما صح الانتفاع به.
ولا تتجاوزوا حدود ما أحلّ اللّه لكم إلى ما حرّم عليكم من الخبائث، ومن الإسراف والتقتير، وكلا الأمرين اعتداء، وهما تجاوز الحلال الطيب إلى الحرام الخبيث، والإسراف في تناول المباح، كما قال اللّه تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 7/ 31].
والتزام الوسط في الإنفاق دون إسراف ولا تقتير، ولا نهم مادي ولا ترفّع عن المادّيات والانشغال بالرّوحانيات هو الذي يحقق مبدأ وسطية الإسلام واعتداله.
وسبب النّهي عن تجاوز الحدود الشرعية: أن اللّه يبغض كل أولئك الذين يتعدون حدود اللّه، وأن من تجاوز الحدّ الشرعي، هان عليه اقتراف جميع المنكرات والوقوع في المعاصي والسّيئات، فمن سرق مثلا تجرّأ على القتل والفتك والإرهاب ونشر الرعب في كل مكان، وسهل عليه ارتكاب جميع المحرّمات. ولذا حصّن الشّرع سلوك المسلم وصانه من الانحراف بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطّلاق: 65/ 1]. وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14)} [النّساء: 4/ 14].
ثم وضع لنا القرآن الكريم قانون الانتفاع بالأشياء والأمور المعاشية المعتادة فقال: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي تناولوا الحلال الذي لا إثم فيه كالرّبا والرّشوة وأكل مال الآخرين بالباطل، فإنه إثم وفسوق، وكلوا الطيب غير المستقذر في نفسه كالميتة والدم، أو الطارئ كالفاسد المتغير بطول المدة، أو المذبوح لغير اللّه من الأصنام والأوثان. واتّقوا اللّه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه في الأكل واللباس والنساء وغيرها، فلا تحرّموا ما أحلّ اللّه:
ولا تحلّوا ما حرّم اللّه، ظنّا منكم أن هذا خير، فإن كل ما لم يشرعه اللّه هو شرّ لا خير فيه، وهو إما تشدّد في الدين من غير مسوّغ، أو تهاون وتقصير وتجاوز لشريعة اللّه. والأمر بالتقوى بعد بيان الحلال الطيب من المطاعم للإرشاد إلى أنه لا منافاة ولا تغاير بين الاستمتاع بطيبات الرزق وبين التقوى أو الوصول إلى أرقى درجات القرب المعنوي من اللّه تعالى والظفر برضوانه.
كفارة اليمين:
على المؤمن أن يحترم عهد اللّه وميثاقه، ويعظّم ذات اللّه وجلاله، فيبتعد عن كل مظاهر الإخلال بهيبة اللّه وقدسيّته، وإذا حلف بالله تعالى وجب عليه صون يمينه إذا كان الأمر المحلوف عليه قربة أو طاعة، وجاز له مخالفة مقتضى اليمين بل يجب إذا كان المحلوف عليه معصية، ولا مؤاخذة في الأيمان التي تجري عفوا على اللسان دون قصد اليمين، مثل: لا واللّه وبلى واللّه لتأكل أو تشرب أو تجلس أو تزورنا، وإنما المؤاخذة الشرعية على الأيمان المتعمدة التي يقصدها الحالف مريدا التزامها، فإذا ندم عليها، فإن الشّرع يسّر عليه الأمر، ورخّص له عند الحنث بيمينه إخراج ما يسمى بكفارة اليمين.
قال اللّه تعالى:


{لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 5/ 89].
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال: {لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 5/ 87] في القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللحم على أنفسهم قالوا: يا رسول اللّه، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} الآية.
علّق الطبري على ذلك بقوله: فهذا يدلّ على ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا ما حرّموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها، فنزلت هذه الآية بسببهم.
والمعنى: لا مؤخذة بالأيمان التي تحلف بلا قصد، ولا يتعلّق بها حكم، وهي اليمين اللغو: وهي التي تسبق على لسان الحالف من غير قصد، قالت عائشة: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «هو كلام الرجل في بيته: لا واللّه، وبلى واللّه».
ولكن المؤاخذة باليمين المنعقدة: وهي التي يحدث الحلف فيها على أمر في المستقبل بتصميم وقصد أن يفعله أو لا يفعله. وتكون بالحلف فيها بالله أو بصفة من صفاته، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه الجماعة عن ابن عمر: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
ولا تنعقد اليمين بغير اللّه من المخلوقات كنبي أو ولي، بل إنه حرام.
ونوع المؤاخذة في اليمين المنعقدة: هو إيجاب الكفارة عند الحنث باليمين أي عدم البر ومخالفة مقتضى اليمين، وعلى الحانث الكفارة سواء كان عامدا أو ساهيا أو ناسيا أو مخطئا، أو نائما ومغمى عليه ومجنونا أو مكرها.
والكفارة على الموسر مخيّر فيها بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين مدّ طعام (قمح) أي 675 غم من النوع المتوسط الغالب أكله على أهل البلد، ليس بالأجود الأعلى ولا بالأردإ الأدنى، وهو أكلة واحدة: خبز ولحم، وتقدير المدّ بالقيمة حوالي 25 أو 30 ل. س في عصرنا. هذه خصلة.
والخصلة الثانية: كسوة المساكين بحسب اختلاف البلاد والأزمنة كالطعام، يعطى لكل فقير رداء متوسط كالجلابية والسروال ونحوهما.
والخصلة الثالثة: عتق رقبة حين كان الرّق موجودا، بشرط أن تكون الرقبة مؤمنة عند جمهور العلماء، مثل كفارة القتل الخطأ أو الظهار، ولم يشترط فقهاء الحنفية كون الرقبة مؤمنة، فيجزئ إعتاق الكافرة، عملا بإطلاق النّص القرآني أي {رَقَبَةٍ}.
هذه كفارة الموسر الذي يملك ما يزيد على إطعام أهله يوما وليلة.
أما كفارة المعسر الذي لم يستطع إطعاما أو كسوة أو عتق رقبة، فعليه صيام ثلاثة أيام متتابعة في رأي الحنفية والحنابلة، ولا يشترط التتابع عند غيرهم.
ولا وقت للكفارة، وإنما يستحب تعجيلها، فإن مرض صام عند القدرة، وإن استمرّ العجز يرجى له عفو اللّه ورحمته، وللوارث أن يتبرع بالكفارة.
هذه كفارة الأيمان إذا حلفتم بالله أو بأحد أسمائه الحسنى أو صفاته العليا، وحنثتم، ويطلب منكم حفظ أيمانكم: وهو البر بها وترك الحنث، أي المخالفة، ومثل ذلك اليمين يبين اللّه لكم أحكام شريعته ودينه، لتقوموا بشكر النعمة فيما يعلّمكم القرآن، ويسهل عليكم المخرج من إثم الحنث في اليمين. ويحرم الحنث في اليمين إذا كانت على فعل واجب وترك حرام، ويندب الوفاء ويكره الحنث إذا تم الحلف على فعل مندوب أو مباح، ويجب الحنث في اليمين والكفارة إذا كانت اليمين على معصية أو حرام.
أما اليمين الغموس: وهي اليمين الكاذبة قصدا، التي تكون لتضييع حق مسلم أو غش أو خيانة، فلا كفارة لها في رأي جمهور العلماء، وإنما فيها الإثم وتغمس صاحبها في النار، وأجاز الإمام الشافعي رحمه اللّه تفكير هذه اليمين، وتيسيرا على الناس، وإنقاذا لهم من الوقوع في نار جهنم، واللّه المستعان.
تحريم الخمر والميسر ونحوهما:
إن دائرة الحرام في الإسلام ضيقة، ودائرة الحلال أوسع منها بكثير، والمحرّمات في الإسلام هي التي تؤدي إلى الضرر بالنفس أو المال أو الناحية الأدبية، أو تكون مستقذرة في نفسها، ومن هذه المحرمات المنكرات بالنص القطعي اليقيني في القرآن الكريم: الخمر والميسر (القمار)، والأنصاب، أي الحجارة التي كانت حول الكعبة المشرفة التي يذبحون عندها قرابينهم، والأزلام: وهي قطع رقيقة من الخشب كالسهم كانوا يستقسمون بها في الجاهلية، تفاؤلا أو تشاؤما، وكانت إما عند الكهان وإما عند الأصنام، قال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} [المائدة: 5/ 90- 93].
نزلت هذه الآيات فيما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما، فأنزل اللّه: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآية، فقال الناس: ما حرّم علينا إنما قال: إثم كبير، وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوم من الأيام، أمّ رجل من المهاجرين أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته، فأنزل اللّه آية أشدّ منها: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} [النّساء: 4/ 43].
ثم نزلت آية أشدّ في ذلك: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قالوا: انتهينا ربّنا، فقال الناس: يا رسول اللّه، ناس قتلوا في سبيل اللّه، وماتوا على فراشهم، وكانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله اللّه رجسا من عمل الشيطان، فأنزل اللّه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} إلى آخر الآية.
وقال أبو ميسرة: نزلت هذه الآيات بسبب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فإنه ذكر للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عيوب الخمر، وما ينزل بالناس من أجلها، ودعا إلى اللّه في تحريمها، وقال: اللّهم بيّن لنا فيها- أي في الخمر- بيانا شافيا، فنزلت هذه الآيات فقال عمر: انتهينا انتهينا.
وقد مرّ تحريم الخمر للتّرويض وبالتدريج في مراحل أربع، وهذه الآيات في سورة المائدة تحرّم تحريما قاطعا الخمر وهو المتّخذ من ماء العنب النّيء، وتشمل كل شراب مسكر خامر العقل وغطّاه، وتحرّم أيضا الميسر (القمار) والأنصاب وهي كما تقدم حجارة حول الكعبة كان العرب في الجاهلية يعظّمونها، ويذبحون القرابين عندها. وتحرّم أيضا الأزلام وهي كما تقدّم أعواد ثلاثة كالسهام، كتب على أحدها: لا، وعلى الآخر: نعم، والثالث:
غفل لا شيء مكتوبا عليه، وقد دلّت الآيات على تحريم هذه الأشياء الأربعة من نواح أربع:
وهي أولا وصفت بكونها رجسا أي قذرا، حسّا ومعنى، عقلا وشرعا، ووصفت ثانيا بأنها من عمل الشيطان وذلك غاية القبح، وأمر اللّه ثالثا باجتنابها، والأمر بالاجتناب أشدّ تنفيرا من مجرد النّهي عنها أو القول بأنها حرام، فهو يفيد الحرمة وزيادة وهو التنفير ورابعا جعل اللّه اجتنابها سببا للفرح والفوز والنجاة في الآخرة.
ثم بيّن اللّه تعالى مضارّ الخمر والقمار المعنوية: الشخصية والاجتماعية، فهما سبب إيقاع الناس في العداوة والبغضاء، وسبب الصّدّ والإعراض عن ذكر اللّه وعن أداء الصلاة، ثم حرّض اللّه تعالى على الانتهاء عن الخمر والميسر بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} هذا فضلا عن أن الخمر والميسر يؤدّيان إلى إتلاف الأموال وتبديدها في الوجوه الضارّة غير النافعة، ولهما مخاطر مؤكدة على أعصاب الإنسان وإيقاعه في القلق والاضطراب.
ثم أمر اللّه سبحانه بطاعته وبطاعة رسوله، وحذّر من مخالفتهما، فإن أعرضتم أيها الناس، فإن رسولنا عليه مجرد الإبلاغ الواضح، ومن أنذر فقد أعذر. ثم أوضح اللّه تعالى حكم الذين شربوا الخمر وماتوا قبل تحريمها، وهو أنه لا حرج ولا إثم عليهم ما داموا قد آمنوا واتّقوا عذاب النار وعملوا صالح الأعمال التي أمر اللّه بها، ثم داوموا على التزام جانب التقوى والإيمان، ثم لازموا التقوى وأحسنوا أعمالهم، واللّه يثيب المحسنين المتقنين أعمالهم، ويرضى عنهم، ويتجاوز عن سيئاتهم السابقة فضلا منه ورحمة، واللّه مع المحسنين المتّقين بالعون والرضوان.
وتكرار كلمة {اتَّقَوْا} في الآية يقتضي في كل واحدة زيادة على التي قبلها، وفي ذلك مبالغة في هذه الصفات لهم.
حكم الصّيد في حال الإحرام:
الإنسان العربي ميّال بطبعه إلى الصيد، ومحتاج إليه بحكم قلة موارد الحياة في الماضي، وهو لا يكاد يستغني عن الاصطياد في كل زمان ومكان لأن الصيد طعام لذيذ، إلا أن الشّرع تجاوب مع هذا الميل الطبيعي للصيد، فأباح منه صيد البحر في حال الإحرام بحج أو عمرة، وحرّم منه صيد البر في تلك الحالة أو الآونة. وأوجب الشّرع على الحاج أو المعتمر المخالف هذا التحريم فدية مماثلة للحيوان المصيد، أو إطعام مساكين، أو صياما معادلا أو مساويا للمصيد حجما أو قيمة.
قال اللّه تعالى:

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12